عن معركة تحرير الإنسانية

بعيدا عن السمو الروحي والاستمتاع العقلي الذي ينتابك حينما تسرح مع سيد قطب متحدثا عن تحرير الإنسان من وحي سورة الأنفال في ظلال القرآن 

فلا عجب أن ترثو أمة حبست نفسها داخل نطاق أمّة Nation وغضت الطرف عن أن الشئ المتفق عليه الذي تستمد منه أنها أمة لا ينبغي أساسا أن يتحصر داخل نطاق جغرافي أو معنوي محدد , إنما هو للإنسانية جميعا نظاما دون عقيدة وللأرض كلها روحا لا مادة .

إنّ الدين الإسلامي الذي ماجاء ليجبر أحدا على اعتناقه إنما جاء لتحرير الإنسانية .

وأنه لو كان دعوة دينية فقط لما كان به جهاد , وإنما كانت أوامر الله لنا ستقتصر على التبليغ .

ألا وإنه دعوة ربانية ونظام تحرري فكان لابد أن تواجهه عقبات في واقعنا متمثلة في الأنظمة المستبدة التي ماقامت إلا لتحقيق نزوة مجموعة من البشر في استعباد البشرية , فمن هنا كانت ثورة الدين على الاستعباد تستوجب إبادة هذه الأنظمة الاستعبادية بالقوة .

فلو كان الدين مجرد دعوة لاتّباع تعاليم معينة تبلغ بالبيان لما وجد عوائق ولاكتفى بالتبليغ بالبيان .

ولكنه جاء دعوة كجانب نظري وإعلان لتحرير الإنسان كجانب حركي واقعي ممنهج فحمل السلاح في وجه الأنظمة المستبدة لا في وجه من أبى اعتناقه كي يزيل هذه الأنظمة المتألهة ويحرر الإنسان من أية ضغوطات , ثم يعرض الإسلام عليه نظاما ومنهجا لله في أرضه متمثلا في إقرار وحدانيته جلّ في علاه , فتلك أرضه ومالك ألا تقر بألوهية وتقديس أحدا غيره على أرضه كائنا من كان .

ثم يعتقد بعد ذلك هذا الإنسان المحرّر ما يعتقد , فهنا وبعد تحريره من تلك الأنظمة التي كانت تنتقص من حريته في اعتقاد مايشاء يكن " لا إكراه في الدين " لأنه بعد تحرير قد تبين له الرشد من الغيّ .

وما أشبه ثورتنا بذلك , بل هي ألا منبثقة من ذلك الدين التحرري , إلا أنها أضعفتها وفككتها تلك الفواصل الجغرافية وتلك الانهزامية الروحية التي رفعت لنا شعار السلمية في وجه أنطمة تحتاج إلى إبادة شاملة .

ما أحوجنا إلى ثورة غير محدودة جغرافيا ومعنويا على ذلك العالم الذي تحكمه أنظمة استعبدتناوفجرت بطغيانها المادّي والمعنويوحاصرتنا داخل نكاق مجتمعات مغلقة ومفككة كالتنظيمات والدول مستهدفة تفكيك الإنسان .

ما أحوجنا إلى ثورة على ذلك المجتمع الدولي الذي ملّك نفسه إلها علينا يجبرنا على التخاذل تجاه وقف نزيف جراح سوريا !

آه من أوجاع أمّة تنزف , تخندق جراحُ كلِّ منها داخل نطاق كيان سلطوي يدعى "دولة" , فأصبح كل منا منشغلا باللهث في ذلك المسار الوهمي يبني من خلاله كيانا يجبرنا أيضا على تفكيك أنفسنا بأنفسنا !

آه من أمة أصابها الوهن فأصبحت تدافع وهي منهزمة روحيا لا تتحرك وتتقدم لخوض معارك تحرير الإنسانية .

آه من أمة منهزمة روحيا تنبذ حمل السلاح في ثوراتها وإن حمل أخذت تدافع عن حامليه على أنهم حملوه دفاعا عن أنفسها إن لم تهاجمهم وحملت السلاح في وجههم أصلا !

الإنسانية لا تحرير لها بتلك الانهزامية الروحية التي تقف على خط الدفاع وتلقي الضربات مكتوفين الأيدي , فالأنظمة المستبدة يجب أن تباد كي يتسنى لنا تحرير تلك الإنسانية